
مع الانتشار الواسع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في لبنان، تحوّل شات جي بي تي إلى مرجع قانوني سريع يلجأ إليه عدد متزايد من المواطنين للحصول على إجابات حول قضاياهم. لم تعد هذه الظاهرة محصورة بالفضول التقني، بل أصبحت بديلاً عملياً يلجأ إليه البعض لتفادي كلفة الاستشارات القانونية أو لتسريع الوصول إلى المعلومة، ما جعل الذكاء الاصطناعي يدخل مباشرة إلى مساحة كانت حكراً على المحامين. هذا الاستخدام المكثّف يثير تساؤلات جدّية حول موثوقية المعلومات التي يحصل عليها المواطن، وحول حدود الدور الذي يمكن لأداة رقمية أن تلعبه في مسائل شديدة الحساسية والتعقيد. وفي ظل هذا التحوّل المتسارع، تبرز الحاجة إلى فهم متخصص يضع الأمور في نصابها، وهو ما تقدّمه المحامية لمياء خليل مشيرة الى النقاط الاكثر اهمية في هذه المسألة.
معلومات الذكاء الاصطناعي ليست استشارات قانونية
توضح خليل أن المعلومات التي يقدمها شات جي بي تي ليست استثنائية أو مستحدثة، بل هي في الأساس موجودة في الكتب والمراجع القانونية التي يتعلم منها الطلاب ويمارس عبرها المحامون مهنتهم. فهي تقول إن ما يقدمه الذكاء الاصطناعي “هو أصلاً موجود في الكتب القانونية والمواد القانونية التي تُدرّس”، وبالتالي فإنه لا يبتكر مفاهيم جديدة ولا يمارس دور المشرّع، ولا يمكنه تقديم استشارات أو حلول قانونية بالشكل الذي يقوم به المحامي. وتشدد على أن هذه الأدوات “لا يمكنها المس بعمل المحاماة بتاتاً”، ما يعني أن مهنة المحامي تبقى الأساس بين النص القانوني ومَن يحتاج إلى تفسيره.”
مضيفة الى أن الذكاء الاصطناعي “لا يمكنه تقديم استشارات أو حلول قانونية مثل تلك التي يقدمها المحامي، بالتالي لا يمكنه المس بعمل المحاماة بتاتاً”.
المسؤولية القانونية على من تقع؟
كما اشارت المحامية إلى نقطة محورية تتعلق بالضرر الناتج عن الاعتماد على معلومات خاطئة مصدرها الذكاء الاصطناعي. وتؤكد أن من يختار الاعتماد على شات جي بي تي يتحمل وحده تبعات ذلك، معتبرة أن “المسؤول عن الضرر هو نفسه الذي طلب من شات جي بي تي تلك المعلومة وهو من يتحمل تبعة تلك المعلومات”. من هنا، تحذر خليل من التعامل مع الذكاء الاصطناعي كمصدر موثوق للاستشارات الحساسة، لأنه لا يخضع للمسؤولية المهنية التي يخضع لها المحامي.

سرية المعلومات مسؤولية المستخدم
وفي ما يتعلق بالسرية، تذهب خليل إلى أبعد من ذلك، مشيرة إلى أن المستخدم نفسه قد يتسبب في انتهاك خصوصيته من دون أن يدرك. فهي تقول: “عندما يشارك المستخدم معلومات حساسة وسرية عن قضيته فهو من يقوم بفضح قضيته التي يفترض أن تبقى سرية”. وتضيف أنه لا وجود لأي خرق لأصول مهنة المحاماة في هذا السياق، لأن المحامي الذي يحترم مهنته لا يبوح بأي سرّ، والمشكلة هنا تكمن تماماً في سلوك المستخدم الذي يكشف معلوماته على منصة رقمية ليست مخصصة لحماية أسرار القضايا.
الوعي القانوني أهم من التقنية
يرى المحامون أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي للحصول على استشارات قانونية مجانية يعكس مشكلة أكبر على مستوى الوعي العام. وتصف خليل ذلك بقولها إن “قلة الوعي والإدراك وعدم معرفة المصلحة الشخصية هي أكبر خطأ يرتكبه المواطن عند لجوئه إلى اكتساب معلومات قانونية من الذكاء الاصطناعي”. فالمستخدم قد يخلط بين المعلومة العامة التي يمكن لأي شخص الوصول إليها، وبين الاستشارة القانونية الدقيقة التي تتطلب فهماً عميقاً للوقائع والمعطيات الخاصة بكل حالة.
دور التشريع في حماية المواطنين
مشيرة أيضاً إلى أنه لا يمكن للمشرّع إيقاف التطور التكنولوجي أو الحد منه، مهما حاول. فالتكنولوجيا ليست ظاهرة عابرة، بل واقع فرض نفسه على الجميع. وتوضح أن دور التشريع ينحصر في وضع إطار تنظيمي يساعد على توعية المواطنين بالمخاطر المحتملة المرتبطة بالاعتماد على الإنترنت للحصول على المعلومات القانونية. وتقول: “لا يمكن للمشرّع أن يحد أو يوقف ذلك، يقتصر دوره على حماية العالم العربي عبر وضع إطار تنظيمي يشرح مخاطر اللجوء إلى الإنترنت والبرامج الذكية عند اكتساب أي معلومة قانونية منه”. لكنها تشدد مرة أخرى على أن المسؤولية تبقى على المواطن أولاً وأخيراً.

المعلومة والاستشارة القانونية
وتوضح خليل أهمية التمييز بين “المعلومة القانونية” و”الاستشارة القانونية”. فالمعلومات القانونية العامة موجودة في الكتب والمقالات ويمكن لأي شخص الاطلاع عليها، لكن الاستشارة القانونية ليست مجرد معلومة، بل هي تحليل قانوني يتطلب فهماً موضوعياً للملف. وتقول: “هناك فرق كبير بين المعلومة والاستشارة. فالمعلومة القانونية هي تلك الموجودة في الكتب والمقالات القانونية التي يمكن لأي مواطن الاطلاع عليها والاعتماد عليها وهذا أمر طبيعي، بينما يجب على المواطن أن يدرك أن الاستشارة لا يمكن أن تعطيه جواباً أو معلومة أكيدة وثابتة”.
العلاقة المستقبلية بين المحامي والذكاء الاصطناعي
وعندما تتحدث عن المستقبل، تظهر خليل رؤية هادئة وواضحة حول العلاقة بين المحامي والذكاء الاصطناعي. فلا وجود لتنافس أو صراع، بل توازن بين دور معرفي تقدّمه التكنولوجيا ودور جوهري يقوم به المحامي. وتقول: “مستقبلاً، إن هذه العلاقة ليست بتحول جذري ولا بتنافس مع عمل المحاماة. يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على تقديم الاستشارات والمعلومات التي يطلبها المواطن منه، إنما عملياً سوف يبقى دور المحامي هو الأبرز والأصل في العمل”. ومن خلال هذا الموقف، توضح أن المحامي يبقى العقل القانوني المسؤول، بينما يبقى الذكاء الاصطناعي مجرد أداة معرفية مساعدة.
مقال ذو صلة :
https://al-jareeda.com/archives/710381?utm_source=chatgpt.com
