النسوية
  • ديسمبر 8, 2025
  • ميري فرسان
  • 0

كيف تحوّلت النسوية في الفضاء الرقمي إلى ما يبدو “محرجًا” بفعل المنصات الرقمية، الخوارزميات، والمحتوى السطح

النسوية السيبرانية: التمكين والتهديدات في العالم الرقمي ( AI Generated – Gemini)

النسوية في فضاء التكنولوجيا

النسوية السيبرانية هي حركة فكرية وممارسة تتعامل مع التكنولوجيا باعتبارها مساحة سياسية وفكرية، وليس مجرد أداة اتصال ويمكن استخدامها كمساحة للمقاومة والتعبير عن الهوية الجندرية. ترى هذه الحركة أن الفضاء الرقمي والخوارزميات ليسا محايدين، بل يحملان تصورات اجتماعية وثقافية قد تُهمش الصوت النسوي أو تقلّله من أهميته. في هذا الإطار، تتحول النسوية إلى فعل رقمي يمكن أن يكون قوة مقاومة، ولكنه في الوقت نفسه معرض لمضايقات تقنية واجتماعية. النساء في لبنان يواجهن هذا التحدي يوميًا: بين استخدام التكنولوجيا لإيصال أصواتهن، وبين بيئة رقمية تجعل الخطاب النسوي يبدو أحيانًا مادة مثيرة للجدل أو محرجة أمام الجمهور العام.

الخوارزميات وصناعة الإحراج الرقمي

الإحراج الذي يُقترن أحيانًا بالنسوية في الفضاء الرقمي لا ينبع من طبيعة النسوية نفسها، بل من الطريقة التي صُممت بها المنصات الرقمية. خوارزميات التوصية، التي تتحكم في مدى انتشار المنشورات وتفاعل المستخدمين معها، تفضّل المحتوى السهل، القصير، البصري، والمثير، بينما المحتوى النسوي الجاد، مثل التحليل النقدي أو النقاش حول العنف الاجتماعي أو القوانين غير العادلة، غالبًا ما يُهمش أو يُخفّض انتشاره. هذا التحيّز التقني يجعل الصوت النسوي يبدو كأنه خارج القاعدة، وكأن هناك خطأ ما في جوهره، رغم أن المشكلة تكمن في تصميم المنصة نفسها. تقرير SMEX الصادر عام 2025 حول العنف الرقمي ضد النساء في لبنان يوضح هذا “الصمت البنيوي” الذي تُنتجه الخوارزميات: الصوت النسوي الجاد يُخفّض وصوله ويُعرض صاحبه لمضايقات رقمية متواصلة، ما يجعل أي خطاب نسوي يظهر وكأنه أمر (SMEX report)“محرج” أمام المجتمع الرقمي.

صورة إعلان لـ هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women). وجه امرأة شابة، فمها مغطى بشريط بحث جوجل يظهر اقتراحات متحيزة جنسياً تبدأ بعبارة ‘النساء لا يستطعن’ (women cannot)

المحتوى السطحي والإعلام الرقمي: نسوية كتريند

في لبنان، الإعلام الرقمي غالبًا ما يعيد تشكيل خطاب النسوية إلى سرديات مبسطة وسطحية، بحيث يتحول الخطاب النقدي أو الحقوقي إلى مادة للترفيه أو الجدل السريع. صفحات الأخبار، المؤثرون، وحتى البودكاستات يميلون إلى تقديم النسوية على شكل “دراما شخصية” أو إثارة للجدل، بدل عرضها كتحليل سياسي أو اجتماعي. النتيجة هي أن أي خطاب نسوي جاد يبدو غير مناسب أو “مبالغ فيه”، بينما المحتوى السطحي يسيطر على المشهد الرقمي. هذا الوضع يجعل النسوية الجادة تبدو أحيانًا محرجة، رغم أهميتها الحقيقية في الدفاع عن الحقوق وتحليل البنى الاجتماعية. فالمجتمع الرقمي، من خلال خوارزميات التفاعل وتفضيل الإثارة، يصنع صورة النسوية وكأنها خارج السياق أو “زيادة عن .الحاجة”، بينما الواقع يشهد على أهمية وجود هذه الأصوات

النساء اللبنانيات على المنصات: بين الصوت والمراقبة

النساء اللبنانيات على المنصات الرقمية يواجهن تحديات جعلت النسوية الرقمية تبدو أحيانًا “محرجة”، ليس بسبب محتواها، بل بفعل الخوارزميات، المنصات الرقمية، والمجتمع الرقمي. ناشطات واجهن هجمات منظمة بعد نشر شهادات تحرّش أو نقد للبنى الاجتماعية والسياسية، بينما صفحات نسوية تعرضت لإغراق بالتبليغات ما قلّل وصول محتواها، ودفع بعضهن إلى تعديل منشوراتهن أو حذفها خوفًا من المضايقات. تقارير مثل SMEX تؤكد أن أكثر من 80% من النساء اللبنانيات يتعرضن لشكل من أشكال العنف الرقمي، بما في ذلك التحرش والتشهير. صحفيات لبنانيات تعرضن لحملات إلكترونية عند تغطية قضايا حساسة، ما اضطر بعضهن لممارسة الرقابة الذاتية (IFEX). حتى الخوارزميات تعزز هذه الرقابة، حيث تقلّل من وصول المحتوى النسوي الجاد، خصوصًا في النقاش السياسي والاجتماعي (Shorouk News). توضح هذه الأمثلة أن الإحراج الرقمي ليس ناتجًا عن النسوية نفسها، بل نتيجة بيئة رقمية تضع صوت النساء تحت المراقبة والضغط، ما يستدعي تطوير استراتيجيات حماية وتمكين فعّالة على المنصات الرقمية.

تجسيد بصري للتحديات التي تواجهها النسوية الرقمية اللبنانية

الدراسات تؤكد: الإحراج ناتج عن البيئة الرقمية

تشير دراسة Cyberfeminism Revisited عام 2025 إلى أن الفضاء الرقمي قد يكون مساحة مقاومة للنساء، لكنه في الوقت نفسه يعيد إنتاج أشكال القمع من خلال تصميم الخوارزميات التي تقلل من انتشار المحتوى الجاد. كما يقدم دليل Cyber-Women أدوات حماية للنساء الناشطات في الفضاء الرقمي، موضحًا أن ضعف الأمان الرقمي يزيد من الإحراج الظاهر للخطاب النسوي ويجعل مشاركة النساء في النقاشات العامة أكثر صعوبة. هذه الدراسات تؤكد أن الإحراج الرقمي لا ينبع من النسوية نفسها، بل من بيئة رقمية مركبة تجمع بين تصميم المنصات، الخوارزميات، والمجتمع الرقمي، ما يجعل الصوت النسوي أحيانًا يبدو أقل تأثيرًا وأكثر عرضة للانتقاد والمراقبة

فهم هذا الواقع الرقمي لا يترك مساحة للتساهل: النسوية ليست المشكلة، بل النظام الرقمي الذي يحاصرها، يحرف صوتها، ويحوّل قدرتها على النقد والمقاومة إلى مادة للسخرية والإحراج. الناشطات والباحثات لم يعد أمامهن خيار سوى مواجهة هذا الهيكل الرقمي بعنف التفكير والممارسة، استخدام المنصات نفسها كسلاح، وتحويل كل محاولة لإسكاتهن إلى دليل على الضرورة الملحّة لاستمرار صوت النساء وفرض وجوده بلا تنازل. الإحراج الرقمي ليس صفة للنسوية، بل للنظام الذي يريدها صامتة وفقط من خلال الوعي، التنظيم، والمواجهة المستمرة يمكن تحويل هذا الفضاء من سجن رقمي إلى ساحة قوة حقيقية للنسوية.

لقراءة مقالاات ذات صلة:

Digital violence is intensifying, yet nearly half of the world’s women and girls lack legal protection from digital abuse

https://news.un.org/en/story/2025/11/1166411

للقراءة عن تأثير مواقع التواصل الإجتماعي على العقل:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *