• ديسمبر 8, 2025
  • خديجة خلف
  • 0

يشهد العالم اليوم تحوّلاً متسارعاً في قدرات التكنولوجيا الحيوية والروبوتات، حيث باتت هذه الابتكارات تتداخل مع أدق تفاصيل الحياة الإنسانية، وخصوصاً مع التجارب التي ترتبط بالحمل الطبيعي وتكوّن الجنين. ومن بين التطورات التي أثارت نقاشاً واسعاً ما أعلنت عنه الصين مؤخراً حول مشروع متقدم لتطوير رحم اصطناعي يعمل بأنظمة روبوتية قادرة على محاكاة الحمل الطبيعي من مراحله الأولى وحتى الولادة. هذا الإعلان أعاد إلى الواجهة أسئلة حساسة تتعلق بعلاقة الإنسان بالآلة، ولكن في سياق أكثر دقة وعمقاً، يتصل مباشرةً بمفهوم الأمومة وطبيعة الروابط الإنسانية التي عادةً ما ترافق الحمل الطبيعي وتشكّل جزءاً أساسياً من تجربة الأم.

ورغم أن عدداً من الباحثين اعتبر هذا التطور خطوة علمية غير مسبوقة، يرى آخرون أنه يحمل أبعاداً أخلاقية وإنسانية معقدة، خصوصاً لأنه يلامس جانباً شديد الحساسية من التجربة البشرية المرتبطة بالحمل الطبيعي. وبينما يرى البعض أن هذه التقنية قد تمنح أملاً جديداً لملايين الأزواج الذين يعانون من العقم، يخشى آخرون من أن يتحوّل المشروع إلى خدمة تجارية بحتة، خاصة مع الإشارة إلى أن التكلفة المتوقعة قد تصل إلى نحو 14 ألف دولار للجنين الواحد. وهذه الأرقام تعمّق الأسئلة حول مستقبل الإنجاب، وحدود التقنية، وموقع الإنسان الطبيعي في عملية كانت عبر التاريخ تعتمد كلياً على الحمل الطبيعي وتطوره البيولوجي داخل جسد الأم.

كيف يعمل الرحم الاصطناعي؟ شرح تقنية المحاكاة البيولوجية وأثرها على مفهوم الحمل الطبيعي

ويعتمد هذا النظام على وضع الجنين داخل أنبوب مملوء بسوائل خاصة تحاكي بيئة الرحم الطبيعية، وتوفّر الظروف البيولوجية الدقيقة التي يحتاجها لينمو ويستمر كما يحدث في الحمل الطبيعي. ومع أن هذا التطور العلمي يبدو مبشراً من حيث قدرته على محاكاة بعض وظائف الرحم، إلا أنّه يثير في المقابل تساؤلات واسعة حول تأثيره على مفهوم الأسرة ودور الأم، خصوصاً أنّ جزءاً أساسياً من تجربة الحمل الطبيعي يرتبط بالتفاعل البيولوجي والحسي بين الأم والجنين.

وبين من يرى أن هذه التقنية قد تمنح النساء خيارات جديدة للإنجاب دون التعرّض لمخاطر الحمل الطبيعي في بعض الحالات الطبية، وبين من يحذر من اختزال الأمومة إلى إجراء تقني خالٍ من الارتباط العاطفي والهرموني، يبرز سؤال جوهري: إلى أي مدى يستطيع العلم التدخل في أدق تفاصيل التجربة الإنسانية دون أن يغيّر جوهرها أو يقلّل من قيمة الارتباط الذي يميّز الحمل الطبيعي منذ آلاف السنين؟

الحمل الطبيعي
الذكاء الاصطناعي يوضح شكل الروبوت الذي يحاكي الحمل الطبيعي

من الخيال العلمي إلى المختبر: كيف بدأت فكرة الرحم الاصطناعي وما علاقتها بـــ الحمل الطبيعي؟

ليست هذه المرة الأولى التي يُطرح فيها مفهوم الرحم الصناعي كبديل محتمل عن الحمل الطبيعي، فقد سبق أن طوّر علماء نموذجاً يشبه حقيبة بلاستيكية لتغذية الأجنة الحيوانية في بيئة تحاكي الرحم. كما بحثت «جامعة آيندهوفن الهولندية» عام 2019 في تصور مشابه يهدف إلى دراسة إمكانية استبدال بعض مراحل الحمل الطبيعي ببيئة صناعية أكثر ضبطاً وتحكماً. ولم يقتصر الأمر على الأبحاث العلمية، إذ تناولت السينما الغربية الفكرة أيضاً في فيلم The Pod Generation (إخراج صوفي بارثيس) عام 2023، حيث تخيّلت كبسولة حمل مشتركة بين الزوجين تحاكي مراحل نمو الجنين خارج جسد الأم، ما يعكس المخاوف والآمال المتعلقة بإمكانية تجاوز التجربة التقليدية للحمل الطبيعي.

لمشاهدة الفيلم اضغط على الرابط

https://urlz.li/eb4379d9

هل تواجه الصين أزمة خصوبة؟ خلفيات ديموغرافية تدفعها لتطوير بدائل الحمل الطبيعي

تواجه الصين تحدياً متصاعداً في معدلات الخصوبة، إذ تشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسب العقم من 11.9% عام 2007 إلى ما يقارب 18% عام 2020، وهو تطور يضع ضغوطاً كبيرة على السياسات السكانية وعلى مستقبل الحمل الطبيعي داخل المجتمع الصيني. ويرى خبراء أن نجاح تقنيات مثل الرحم الاصطناعي قد يفتح باباً جديداً لمواجهة هذا التراجع، خصوصاً في الحالات التي يصبح فيها الحمل الطبيعي صعباً أو غير ممكن طبياً. ومع ذلك، يبقى الجدل قائماً حول ما إذا كانت هذه الحلول تستطيع فعلاً تعويض التراجع الديموغرافي، أم أنها ستبقى مجرد بديل محدود لا يغني عن الحاجات الحيوية المرتبطة بالحمل الطبيعي وتجربة الإنجاب التقليدية.

رأي الأمهات: الفارق بين الارتباط العاطفي في الحمل الطبيعي وتجربة الرحم الاصطناعي

ولتعزيز فهم أوسع لهذه المسألة، حرصنا على تضمين شهادات حيّة. ففي سياق الحديث عن التجربة، ورد الاقتباس التالي الذي يوضح أهمية رأي المجتمع في هذا الجدل:
“ضمن هذا التقرير، قمنا بإجراء مقابلات قصيرة مع أمهات وأطباء مختصين لمعرفة آرائهم حول تقنية الرحم الاصطناعي.”
يأتي هذا الاقتباس كـ عبارة أساسية تربط القارئ بالجزء التالي من النقاش، وتمنحه مدخلاً لمعرفة كيفية انعكاس التقنية على التجربة الإنسانية اليومية.

وتعبّر ديانا خليل، وهي أم لطفلين، عن نظرتها للتجربة بشكل واضح، إذ ترى أن الحمل الطبيعي كان بالنسبة لها رحلة متكاملة عاشتها بكل تفاصيلها: نبض، حركة، تغيرات جسدية وعاطفية، وكلها عوامل صنعت رابطاً عميقاً بينها وبين طفلها. وترى ديانا أن الرحم الاصطناعي، رغم فائدته، لا يمكنه أن يمنح هذا الإحساس أو تلك الصلة الطبيعية التي تتكوّن خلال الحمل.

أما دارين أيوب، وهي أم لطفلة، فتحكي تجربتها من موقع جديد على عالم الأمومة، معتبرة أن الحمل الطبيعي رحلة جسدية وعاطفية كاملة، بينما يبقى الرحم الاصطناعي تجربة تقنية بلا نبض داخلي ولا تواصل يومي، رغم فائدته الطبية الكبيرة. وتشدّد على أن العلاقة مع الطفل تُبنى بعد الولادة بالحب واللمس والرعاية، لكن “البداية ليست نفسها”.

لمشاهدة الفيديو التوضيحي لـ آلية عمل الروبوت الكاملة اضغط على الرابط:

https://urlz.li/53002941

وجهة النظر الطبية: كيف تختلف التفاعلات الهرمونية والعلاقة البيولوجية بين الحمل الطبيعي والإنجاب عبر رحم اصطناعي؟

ومن زاوية طبية، توضح الطبيبة النسائية نادين الصالح الفرق بين الحمل الطبيعي والرحم الاصطناعي، موضحةً أن الحمل الطبيعي يوفّر تفاعلات هرمونية ومناعية معقدة، إضافة إلى microchimerism، وهو تفاعل بيولوجي يستمر سنوات بين الأم وطفلها. أما الرحم الاصطناعي، فيهدف أساساً إلى إنقاذ الأجنّة شديدة الخداج، وتقديم حل للنساء اللواتي لا يستطعن الحمل لأسباب صحية، لكنه لا يزال غير قادر على محاكاة بعض التفاعلات الهرمونية الطبيعية، ولا تأثير صوت الأم ونبضها على دماغ الجنين.

وتشير الطبيبة إلى أن الرابط العاطفي بين الأم والطفل لا يعتمد حصراً على الحمل الطبيعي، إذ تتشكل العلاقة بعد الولادة عبر اللمس، والرضاعة، وهرمون الأوكسيتوسين، إلا أن الحمل الطبيعي يبقى جزءاً مهماً من التهيئة النفسية للأم، وهو جانب يصعب على التقنية محاكاته.

وفي الختام، تظهر شهادات من فئات عمرية واجتماعية مختلفة لتوسيع نطاق الرؤية حول هذه التقنية وإبراز كيفية استقبالها في المجتمع بين القبول والحذر. وتؤكد هذه الآراء أن التقدم العلمي، على الرغم من أهميته ودقته، لا يلغي عمق التجربة الإنسانية ولا ثراء الجانب العاطفي الذي يرافق تكوّن الحياة.

مقالات ذات صلة:

https://urlz.li/b68cbc65

https://urlz.li/c2bdb1e3

https://urlz.li/56e63097

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *