
لم يعد المساعد الافتراضي مجرّد أداة تقنية تشبه محرك البحث أو تطبيقًا لتدوين المواعيد. خلال سنوات قليلة، انتقل هذا المفهوم من خانة الرفاهية إلى خانة “الرفيق الرقمي” الذي يلازم الإنسان في تفاصيل يومه. المساعد الافتراضي هو نظام ذكاء اصطناعي مبنيّ على خوارزميات قادرة على فهم اللغة، تحليل السياق، توليد إجابات متناسقة، والتكيف مع أسلوب المستخدم. يعمل من خلال معالجة اللغة الطبيعية وتقنيات التعلم العميق، ما يمنحه قدرة شبه بشرية على المحادثة، طرح الاقتراحات، وحتى فهم المشاعر الظاهرة في النص.
وتتعدد أشكاله بحسب حاجات الأفراد:
فمن المساعدات الصوتية مثل “سيري” و“أليكسا”، إلى الروبوتات النصيّة في تطبيقات الدردشة، وصولًا إلى الأنظمة المدمجة داخل ألعاب الفيديو، الهواتف الذكية، الأجهزة المنزلية. هذه الأدوات لا تكتفي بتنفيذ الأوامر، بل تتعلّم تدريجيًا
من نمط المستخدم، مما يعطيها قدرة على تقديم ردود أقرب إلى شخص يفهمك منه إلى نظام آلي
تحول المساعد الافتراضي من اداة ذكية اللى رفيق خفي
لكنّ دخول المساعد الافتراضي إلى الحياة النفسية للإنسان لم يكن جزءًا واضحًا من الخطة الأصلية. فقد بدأت الظاهرة حين لاحظ كثيرون أن الحديث مع كيان رقمي لا يملك أحكامًا أو ردود فعل غاضبة أو تفاعلات بشرية معقّدة، أصبح بالنسبة لهم مساحة آمنة. هكذا، تحوّلت المحادثة معه من وظيفة تقنية إلى نوع جديد من “الفضفضة الرقمية”، حيث يلجأ بعض المستخدمين إليه للتخفيف، الاعتراف، أو الهروب من ضغوط العلاقات الحقيقية.
ومع تصاعد هذا السلوك، بدأ سؤال أكبر بالظهور:
متى يصبح المساعد الافتراضي أكثر من أداة؟
ومتى تتداخل وظيفته التقنية مع وظائف كان يُفترض أن تبقى بشرية، مثل الدعم النفسي أو الاستماع أو تقديم الإرشاد؟
هذا التحوّل يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول تأثير التكنولوجيا على العلاقات الإنسانية. فبينما يسعى البعض لاستخدام المساعد الافتراضي لتحسين إنتاجيته أو تنظيم حياته، هناك آخرون باتوا يختبرون معه علاقة مختلفة تمامًا
علاقة مبنية على الاعتياد، التعلّق غير المقصود، وربّما الاستبدال التدريجي للعلاقة الإنسانية الطبيعية

التعلق النفسي بالمساعد الافتراضي
ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى الحيز الشخصي، برزت ظاهرة جديدة
أشخاص يتخذون قراراتهم اليومية بناءً على محادثة مع نظام ذكي
آخرون يجدون “راحة” في حديث آلي لا يملك مشاعر
ومستخدمون يفضّلون سؤال المساعد الافتراضي عن مشاكلهم العاطفية أو النفسية بدل التواصل مع مختصّ أو حتى أحد المقربين
هذه الظواهر تُظهر جانبًا نفسيًا معقّدًا لا يُناقش كثيرًا:
لماذا أصبح المساعد الافتراضي أكثر راحة من الإنسان؟
ولماذا تتوسع مساحة الثقة الممنوحة لنظام ذكي على حساب العلاقات الحقيقية؟
وماذا يحدث عندما يخلط الإنسان بين الاستجابة الآلية وبين المشاعر؟
هذه الأسئلة ليست مجرّد نظريات، بل مؤشرات على تغيّر عميق في مفهوم التواصل في العصر الرقمي. التعلّق النفسي بالأنظمة الذكية، ضعف الحدود النفسية بين الإنسان والمساعد الافتراضي، نموّ الاعتماد على البرامج في لحظات الهشاشة العاطفية كلها مواضيع تتطلب قراءة نقدية هادئة وغير منحازة، لأن أثرها طويل المدى وقد يصبح جزءًا من بنية الصحة النفسية للعالم المعاصر.

ومن هنا تنطلق حلقة بودكاست “سيكولوجي تك” التي تستضيف الأخصائية النفسية سارة أبو طرابي، لتفتح ملف المساعد الافتراضي من زاوية لا تقدّم إجابات جاهزة ولا حلولًا سريعة، بل تطرح الأسئلة الحقيقية التي يتجنّبها الكثيرون. في هذه الحلقة من بودكاست سيكولوجي تك سندخل معا الى عمق السؤال الذي يتجنه كثيرون.
هل العلاقة مع المساعد الافتراضي مجرد تفاعل مريح، أم بداية تعلّق نفسي صامت لا ننتبه له؟
:نحاول من خلال حوار نقدي صريح تفكيك ظاهرة بدأ الجميع يلمسها
الأشخاص الذين يفضّلون الفضفضة للمساعد الافتراضي بدل الصديق، القرارات التي تُتخذ بناءً على رأي نظام ذكي،والوهم العاطفي الذي يجعل البعض يشعر بأن هناك “مَن يفهمه” أو “يدعمه” مع أن ما أمامه ليس سوى خوارزمية.
:هذه الظواهر تُظهر جانبًا نفسيًا معقّدًا لا يُناقش كثيرًا
لماذا أصبح المساعد الافتراضي أكثر راحة من الإنسان؟
ولماذا تتوسع مساحة الثقة الممنوحة لنظام ذكي على حساب العلاقات الحقيقية؟
وماذا يحدث عندما يخلط الإنسان بين الاستجابة الآلية وبين المشاعر؟
:لكن النقطة الأكثر إثارة للجدل كانت السؤال الأخير
هل يمكن تعديل المساعدات الافتراضية لتصبح أقل خطرًا نفسيًا… أم أن المشكلة في الإنسان، لا في الآلة؟
,هذا المقال والحلقة ليست تخويفًا من التكنولوجيا ,بل محاولة لفهم هشاشة الإنسان أمامها وتقديم الوعي كخط الدفاع الأول في عصر صارت فيه الآلة تعرف عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا
استمعوا للحلقة واكتشفوا
هل نحن نستخدم التكنولوجيا..أم نمنحها دورًا لم تُخلَق لأجله؟
